في قلب قرية “علال البحراوي”، صغيرة، التي يغمرها الهدوء والبساطة، تربتْ السعدية صنيبة على قيم الكرم والعطاء، حيث غرست فيها والدتها منذ الصغر حب الخير، فكلما رأت متشردًا في الشارع، كانت تصطحبه إلى بيتها.
تقول سعدية لمنصة “هنَّ”: ” عندما كنت أرى المتشردين في طريقي وأنا عائدة من النادي النسوي أشفق عليهم، لذلك كنت أصطحبهم إلى بيتي، لأن أمي معروفة بأنها امرأة محسنة في قريتنا، وكانت دائمًا تستقبل الناس معدومي الحال، تنظفهم وتوفر لهم الأكل واللباس”.
وتضيف السعدية بفخر: “أنا أشبه أمي في كثير من الصفات، وخاصة صفة العمل الخيري، أمي معروفة بالإحسان في علال البحراوي، وأنا أصبحت مثلها “.
من المبادرات الفردية إلى بناء المؤسسة
لم تكن السعدية مجرد امرأة تساعد المتشردين فقط، بل كانت تحمل قلبًا مليئًا بالعطف والإصرار، لذلك قررت سنة 2016 جمع جل المشردين بقريتها “سيدي علال البحراوي”، واكترت لهم بيوت إيواء، منحتهم الدفء في الطقس البارد، “جمعت 16 شخص من الشارع ووضعتهم في دار ثم ارتفع العدد الى 36 فقمت بكراء دار أخرى، وكنت أنا وأمي نتعاون على خدمتهم، أمي وأختي هما من تطبخان الأكل وأنا أوصله إليهم، وبسبب ارتفاع عددهم بدأت أبحث عن محسنين، وفعلا وجدت أحد المحسنين من أبناء المدينة وهو من دعمني ماديا ومازال يدعمني إلى الآن”، تحكي السعدية لـ”هنَّ”.
ورغم التحذيرات التي تلقتها السعدية من البعض، بشأن احتمال تعرضها للمساءلة القانونية إذا حدث مكروه لأحد المسنين، كانت السعدية مؤمنة بأن عملها نابع من الخير، وأن الله هو الحامي. وتوضح “كان هناك من يخوفون أمي، لكنني ذكرت أمي بأنها فعلت نفس الشيء مع امرأة استقرت في بيتنا لمدة ستة أشهر ولم يحدث شيء، هذا أمر بيد الله ولن يحدث مكروه بإذنه”.
لم تكن طريق السعدية خالية من الصعوبات، فبجانب التحديات العملية، واجهت انتقادات من بعض أفراد المجتمع الذين شككوا في نواياها، معتبرين أن لديها أغراضًا سياسية أو شخصية. ومع ذلك، كانت سعدية تطمح إلى تحسين وضع المسنين المشردين وبناء مؤسسة ترعاهم بمواصفات جيدة، وهو ما تحقق على أرض الواقع بمساعدة مؤسسة “محمد الخامس للتضامن”، حيث تكلفت المؤسسة ببناء المركز الاجتماعي لإيواء المسنين بسيدي علال البحراوي، وتجهيزه بالافرشة وكل اللوازم الضرورية.
وتوضح السعدية لهذه المنصة، أنه “بعد أن تم قبول مشروعي من طرف المؤسسة، وفي ظرف خمسة أشهر، تم الانتهاء من بناء المركز، وأصبحت أنا المسؤولة عنه، ويعتبر يعتبر من أفضل مراكز الإيواء الموجودة في المغرب”.
استئناف الدراسة وتحقيق النجاح الأكاديمي
رغم أن السعدية تركت الدراسة في سن مبكرة بسبب الزواج، إلا أن الظروف التي واجهتها جعلتها تفكر في العودة إلى التعليم، “عندما أصبحت مسؤولة عن المركز، وضع بعض الأشخاص شكايات بأنني أسير مؤسسة ولا أملك شهادة باكالوريا، صحيح أنه لم يكن عندي شهادات لكن كنت أمتلك الضمير، كما أني كنت مثقفة واتقن اللغة العربية، ولذلك قررت أن اجتاز باكالوريا حرة سنة 2020، ثم ولجت إلى الجامعة وحصلت على الإجازة في شعبة علم الاجتماع، والآن أفكر في الماستر، لكن كثرة المسؤوليات العائلية والمهنية تجعل الأمر صعب حاليا”.
وكان التوفيق بين العمل الخيري والدراسة تحديًا كبيرًا لسعدية، وعن ذلك تروي: “تأخرت سنة في الحصول على الإجازة بسبب أنني تخلفت عن الامتحانات إثر وفاة أحد المسنين في الدار”.
تأثير العمل الخيري
لم يكن العمل الخيري بالنسبة لسعدية مجرد مبادرة عابرة، بل أصبح جزءًا من حياتها اليومية، وروتينها الشخصي، توضح ذلك بإحساس عميق: “الخير في دمي، لا يمكن أن يمر يوم دون أن أقوم بعمل خيرٍ، عندما استيقظ في الصباح أطلب من الله أن يوفقني لعمل الخير”.
هذا الشعور العميق بالالتزام تجاه الآخرين؛ لم يكن دائمًا سهلاً، بل كان يحمل في طياته تحديات كبيرة للسعدية، خاصة أنها تعيش في بيئة قروية ليست كلها داعمة لجهودها، وتوضح السعدية لمنصة “هنَّ” أنها أحيانًا تواجه صعوبات كثيرةً؛ “لأنني في منطقة قروية بعض سكانها يحاربون عمل الخير”، وتضيف “بسبب أعمال الخير وصلت للمحكمة، ولكن دائما ينتصر الخير والعدل… ولكني لا أنكر أن هذا يازمني نفسيا”.
تطلعات المستقبل
تطمح السعدية إلى توسيع عملها الخيري من خلال إنشاء مركز تكوين لليتيمات والفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة، “أريد أن أنشئ مركزًا للتكوين يحتوي على وحدة إنتاج لتشتغل فيها البنات وتنتجن وتبيعن، وقد بدأت فعلاً في ذلك، حيث استأجرت محلًا ووضعت فيه آلات خياطة لتعليم النساء حرفة تساعدهم في توفير دخل”.
وكخلاصة لتجربتها، توجه السعدية رسالة إلى المجتمع، تطالب فيها بترك النقد الهدام ومد يد العون لمن يجري في الخير: “إذا رأيتم شخصًا يريد أن يقدم الخير، أحسنوا النية ولا تظنوا به شرًا، دعوا المخلوق للخالق، لأن الله هو من يجازي”.
كما دعت السعدية السلطات إلى ضرورة مراقبة الجمعيات الخيرية الفعالة، ودعمها بدل السماح للجمعيات الوهمية من الاستفادة دون تقديم خدمات حقيقية للمجتمع.