تحول الزواج السري خلال السنوات القليلة الماضية، من زواج غير مُعلن إلى ظاهرة مستشرية في موريتانيا، حيث أصبح لهذا الزواج ما يشبه الشبكات المنظمة، لها قيادات ومنسقين وسماسرة؛ منتشرين في عموم البلاد، دون أي اعتبار لما يترتب عليه هذا الزواج من مشكلات اجتماعية ونفسية وقانونية.
وكان للزواج السري في موريتانيا، وقع الفضيحة للمرأة بالدرجة الأولى، ثم للرجل الذي غالبا ما يكون متزوجا وأب لأسرة لا تعلم شيئا عن زواجه الثاني، قبل أن يتحول إلى مصدر دخل وتجارة رابحة لدى كثيرين، مخلفا ضحايا بالجملة.
ظروف قومٍ عن قومٍ فوائدُ
خلال التقصي حول جذور هذه الظاهرة، أجرت منصة “هنَّ”، حديثا خاصا مع واحدة من الفتيات اللواتي مررنّ بتجربة الزواج السري، وتقول سهام محمد، ذات الـ23 عامًا، أنها “تزوجت سريا لمدة لم تتجاوز شهرين، من رجل يكبرني بنحو 15 عاما، عرفتنا عليه سيدة مختصة في تعريف الفتيات الصغيرات بالرجال الأغنياء، على أن تحصل على عمولة سخية إذا تم الزواج… وذلك ما كان”.
تسربت سهام من المدرسة في المرحلة الابتدائية، وعاشت مع أخواتها الأربع في ظروف كريمة، كانت الأم تكفلها لهنّ، قبل أن تتدهور صحتها، وتمنعها من مواصلة العمل في إحدى الشركات الخاصة، لتنقلب الظروف على الجميع، وهي ذاتها الظروف التي يحتاجها سماسرة هذه الزيجات، لجني الأرباح من ورائها.
تحكي سهام لـ”هنَّ” عن تجربتها مع الزواج السري، قائلةً “كان الاتفاق واضحا من حيث المهر وعمولة (الدلالة/ السمسارة) ومكان وزمان اللقاء، ودون الخوض في التفاصيل، أصحبت متزوجة من ذلك الرجل الذي كنت التقيه ليلة كل سبت وأحد”.
“خلال الأسبوع الأول من الزواج أخذتني والدتي إلى مستشفى الأمومة والطفولة في وسط نواكشوط لوضع شريحة منع الحمل، وكنت محظوظة بأن قمت هذه الخطوة، لأن صديقتي أنجبت من زواج سري سنة 2023، وما تزال المصائب تلاحقها إلى الآن”، توضح سهام.
الفقر وانتشار الطلاق
تقول سهام محمد، في شهادتها لـ”هنَّ”، “أنا لا أحمل والدتي أي مسؤولية اتجاه هذا الزواج، لكن والدي هو السبب الرئيس، فلو لم يتخل عن أسرته لما اضطرت أمي إلى هذه الطرق لكسب مال نعيش به، أبلغ اليوم 23 سنة ولا أتذكر أنه أنفق علينا فلسا واحدًا منذ طلاقه لأمي سنة 2006”.
“الجميع يتحدث عن الزواج السري ويربطه بالدعارة وهذا أمر جارح، ولا أحد كلف نفسه عناء البحث لمعرفة أسباب انتشار هذا النوع من الزواج”، توضح سهام وجهة نظرها.
وكشف تقرير لـ”وزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة”، أن نسبة الطلاق في موريتانيا تبلغ 31 بالمائة، يتم الانفصال في 60 بالمائة منها في السنوات الـ 5 الأولى بعد الزواج.
وفي حديثها لمنصة “هنّ”، تعزي الباحثة الاجتماعية خديجة لحبيب، انتشار ظاهرة الزواج السري إلى عدة أسباب من بينها “انتشار الطلاق بشكل كبير خصوصا في صفوف الشابات”.
وتوضح لحبيب أن “انتشار الطلاق مرتبط بعقلية المرأة الموريتانية التي تعتبره مسألة إيجابية، فضلا عن إهمال قطاع واسع من الآباء لنفقة أبنائهم بعد الطلاق، وذلك بسبب عدم إلزامية القوانين التي تتضمنها مدونة الأحوال الشخصية بخصوص النفقة وعدم تعميمها إعلاميا”.
وتشدد على أن “تجريم المجتمع للمرأة التي تقاضي طليقها من أجل فرض نفقة الأبناء، جعل خيار المطالبة بالنفقة يستحيل في مجتمع محافظ تسيره الأعراف”.
وفي ظل هذا الوضع، “أصبحت المطلقات الشابات يلجأن إلى الزواج السري كوسيلة لضمان عيش كريم لهن ولأطفالهن”، حسب تحليل لحبيب لـ”هنّ”.
“مفارقة مجنونة”
حول انعكاسات الزواج السري، ترى لحبيب أنه لهذه الظاهرة “تداعيات وانعكاسات سلبية على المجتمع، خاصة إذا نتج عن هذا الزواج أطفال فسيكونون ضحية لنكران الأب لهم نتيجة خوفه من إظهار زواجه على زوجته، لأن التعدد يثير الكثير من التحفظات في موريتانيا، وفي أسوأ الأحوال ينكر الأب علاقته بهذه المرأة وهذا الطفل، لنكون في المحصلة أمام أجيال ضائعة، كما أن تداعياته تتجاوز المجتمع إلى المرأة نفسها التي تضحي بأنوثتها وحقوقها، كزوجة لها حقوق مصانة دينيًا وقانونيًا مقابل التكفل بها ماديا”.
من جهتها، تعتبر السالكة أحميدة، وهي قانونية وناشطة في المجتمع المدني، أن الزواج في القانون الموريتاني له ثلاثة أركان، “الولي والصيغة أي المهر والشهود”، وفي حال لم يتوفر واحد من الأركان الثلاثة يعتبر الزواج باطلا أمام القضاء ولا يمكن للمرأة إثباته إذا نتج عنه طفل”.
وتشرح أحميدة لمنصة “هنّ”، أن “السرية في موريتانيا تنقسم إلى طريقتين، الأولى سليمة من الناحية القانونية، حيث يكون أهل المرأة هم القائمين على عقد القران بشكله الذي يعترف به القانون، ولكن في الخفاء عن أهل الرجل… وفي هذه الحالة تستطيع المرأة إثبات نسب الطفل إلى الرجل”.
وهناك نوع آخر من الزواج السري وهو الأكثر انتشارا حسب الناشطة الموريتانية، “يكون بين المرأة والرجل وشاهدين والعقاد (المأذون أو العدول)، فيما يغيب الولي، وإذا نتج طفل عن هذا الزواج يصبح إثبات الزواج ونسب الطفل مسألة شديدة الصعوبة أمام القضاء خصوصا إذا فر الرجل هاربا”.
وتؤكد أحميدة على أن “معظم هذه الزيجات غير مسجل في دوائر الحالة المدنية الرسمية، ما يصعب إثبات إلحاق الأبناء بوالديهم مما يسبب مشكلات اجتماعية عميقة تستدعي من الدولة دق ناقوس الخطر والبحث عن حلول جذرية لهذه الكارثة”.
أما سهام، فعن نفسها وتجربتها تقول، “لا أشعر بأي ندم وسأعاود الأمر متى توفرت سانحة له لأن الحياة لن ترحمنا والرجال لم تعد لديهم رغبة في الزواج الطبيعي… ماذا نفعل إذن؟، لن نشحت ولن نكون داعرات!”..
“إذا كان هناك ما أندم عليه هو تسربي من المدرسة، وعجزي الآن عن أي عمل، وهذا المجتمع لن يسمح لي بالأعمال العادية كأن أكون بائعة متجولة في السوق مثلا، لكنه يتغاضى عن الزواج السري وعن الآباء الذين لا يتحملون مسؤولياتهم… إنها مفارقة مجنونة”، تختم الشابة حديثها مع “هنَّ”.