يعتبر التشهير من أكثر الأسلحة استخداما في الاغتيال المعنوي، ضد النساء المشتغلات في المجال العام، فتلك الوصفة السحرية لإزاحتهن من الواجهة تبدأ بنشر “إشاعة” أو معلومة لها علاقة بسمعتهن، وهكذا بدون أدنى مجهود وبسبب الضغط الأسري والمجتمعي تتراجع الضحية إلى الوراء، وفي أحيان كثيرة تختفي عن الأنظار، وتضع حدا لنشاطها السياسي أو الحقوقي، ولطالما استخدمت هذا الأسلوب أنظمة وهيئات سياسية للتخلص من الأصوات المزعجة أو من شخصية غير مرغوب فيها.
عندما تريد إزاحة صوت نسائي مزعج، تستخرج هذه الهيئات بطاقة “الشرف”، وتجعل جسد المرأة مادة للنهش في عرضها، وهذا بحكم البينة الاجتماعية والثقافية التي تعتبر أن سمعة المرأة “كعود ثقاب، حين يشتعل لن يتبقى له من مكان سوى سلة المهملات!”. ليس هذا فقط فحتى عندما يراد مهاجمة سياسي ما، فإن النساء هن اللواتي يدفعن الثمن، فغالبا ما يتم تلطيخ شرف النساء من حوله: زوجته وابنته ووالدته، وهناك قصص كثيرة في هذا الشأن لسياسيين وصحافيين وحقوقيين في المنطقة المغاربية.
في المغرب، طفت إلى السطح قضية “التشهير والابتزاز” التي تورط فيها رئيس الفريق الاستقلالي في مجلس النواب، نور الدين مضيان ضد زميلته في الحزب رفيعة المنصوري، بعد أن تقدمت ضده بشكاية لدى وكيل الملك بطنجة، تتهمه فيها بـ”القذف والتشهير والابتزاز والتهديد بنشر صور عارية”، ما أعاد إلى الأذهان كيف استخدم النظام السياسي المغربي بطاقة “السمعة” من أجل إسكات العديد من الأصوات النسائية الجريئة خصوصا من التيار الإسلامي، كما حدث مع البرلمانية السابقة أمينة ماء العينين سنة 2019، بعدما تم تسريب صور لها بدون غطاء رأس.
ماء العينين المرأة الوحيدة التي كانت تنتقد بصراحة من داخل البرلمان المغربي، عدم توازن وفصل السلطات وعدم احترام توزيع السلطة الدستورية بين رئيس الدولة والحكومة. فضلا عن دفاعها عن قضايا الشعب وانتقادها للاستخدام المفرط للمقاربة الأمنية في مواجهة الحركات الإجتماعية.
وفي سنة 2011، تعرضت نادية ياسين وهي ابنة مؤسس جماعة العدل والإحسان “المعارضة”، لحملة تشهيرية واسعة بعدما صرحت في حوار صحفي أنها تفضل “النظام الجمهوري على الملكي”، هذه الحملة دفعت هذه الأخيرة إلى وضع حد لنشاطها السياسي، بعدما كانت في تلك الفترة في أوج مسارها السياسي، وكانت لديها شعبية كبيرة في صفوف المغاربة.
تعرضت في سنة 2022، ثلاث قاضيات تونسيات اثنتان عزلهما الرئيس قيس سعيد، لحملات تشهيرية على منصات التواصل الاجتماعي، تم فيها استخدام الجنس لتشويه سمعتهن، وقتلهن الرمزي داخل مجتمع أغلبه محافظ، وغير متسامح مع هذا النوع من القضايا. وتعود قضية إحدى القاضيتين المتهمتين بـ”الزنا” إلى عام 2020، إذ تم تسريب تفاصيل عن ملفها لمواقع إلكترونية، توصف بأنها مساندة للرئيس سعيد، تضمنت تفاصيل فحص العذرية الذي قبلت القاضية المعنية بالخضوع له كي تثبت براءتها.
هذه الواقعة أثارت استنكار المجتمع المدني التونسي والجمعيات النسائية، إذ وصفوا ما حدث بـ”التشهير وانتهاك حرمة وكرامة النساء”، وقد أصدرت مجموعة من نحو 30 منظمة حقوقية ومنظمة نسوية بيانا نددن فيه بـ”وصم النساء أخلاقيا” واعتبر البيان أن “انتهاج أعلى مؤسسة في الدولة خطاب الوصم الاجتماعي والأخلاقي والتشهير بجوانب تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد هو مؤشر خطير يدل على تعفن الحياة السياسية في البلاد”.