مع اقتراب انتهاء المهلة التي أعطاها العاهل المغربي، لتعديل “مدونة الأسرة”، قبل 26 مارس الجاري، يعيش المغرب انقساما بين المحافظين والحداثيين، فصفحة “المدونة كاتسنانا”، على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”، والتي ترفع شعار “في انتظار عهد جديد لقانون الأسرة في المغرب”، لحملة أطلقتها، تظهر تطلعات المنظمات النسوية وجمعيات المجتمع المدني في المغرب، للإصلاح “مدونة الأسرة”، التي لا تزال تتسامح مع تعدد الزوجات، زواج القاصرات، أو التمييز في الميراث الأسري الذي يؤثر على المرأة، التي ترث أقل بنسبة 50 بالمئة من إخوتها الذكور.
بينما في الجهة المقابلة، تظهِر تصريحات رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، أن المحافظين لتلك التطلعات بالمرصاد، حيث قال أن “الشعب المغربي لن يقبل أي مساس بالشريعة الإسلامية”، مهددًا بأنه “إذا استدعت الضرورة القيام بمسيرة مليونية فنحن مستعدون مرة أخرى”.
في الذكرى العشرين للتعديل الأول لـ”مدونة الأسرة”، التي كانت بمثابة علامة فارقة في تاريخ المغرب من خلال منح المرأة حقوقًا كثيرة، كالحق في طلب الطلاق، والتي يقدم الملك محمد السادس نفسه باعتباره المروج الرئيسي لهذا التعديل، وقبل الإعلان عن انتهاء عمل اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، الذي قدمته الحكومة بمبادرة من الملك، يعيش المغرب بين المد والجزر، بين الجناح المحافظ في المجتمع المتمثل في الإسلاميين، والجناح التقدمي المتمثل في اليسارين.
وفي إحدى خطاباته الرسمية، أثار ملك محمد السادس في يوليوز 2022، ضرورة التغلب على الثغرات القانونية في المدونة، ولكن حكومة عزيز أخنوش لم تأخذ الموضوع بجدية، بسبب الرفض الذي أبداه التيار الديني المحافظ، حتى حدد الملك في سبتمبر الماضي فترة ستة أشهر، تنتهي الثلاثاء المقبل، لعرض مشروع المدونة، وبصفته أمير المؤمنين، بعث الملك محمد السادس برسائل مطمئنة للمحافظين في خطاب العرش 2022، قائلا : “إنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
وبدعم من الأحزاب التقدمية، تأمل المنظمات النسوية أن يتم فرض رؤية جديدة لمدونة الأسرة، و إجراء إصلاح عميق يضع حدًا للقضايا التي كان ينبغي حلها بالفعل في عام 2004، مثل زواج القاصرات، حيث لا تزال هناك استثناءات كثيرة. وفي هذا الصدد تقول نزهة الصقلي، التي كانت وزيرة للتنمية الاجتماعية والأسرة بين عامي 2007 و2011، ونائبة عن حزب “التقدم والاشتراكية”، أن المغرب يحتاج اليوم “اجتهادا بنّاءً للتفاعل مع المقاصد العالية، والنماذج الجديدة في اتفاقيات حقوق الإنسان، التي يمكننا تسميتها بالمعروف، وهذه الاتفاقيات ساهمت فيها كل دول العالم، بما في ذلك الدول المسلمة، في سبيل إنصاف النساء وعدم السماح بالظلم، وتمتيعهن بحقوقهن الدستورية، وإصلاح عيوب الثغرات التي أظهرتها الممارسة، وتحيين التشريعات الوطنية مع التغييرات في المجتمع المغربي، وحاجيات التنمية المستدامة والنهوض بالمساواة”.
ويحظر التشريع الحالي زواج القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، على الرغم من أنه يسمح للقضاة بالموافقة على إمكانية زواج الطفلات من رجل بالغ، وفي سنة 2023، تم تقديم 14 ألفًا و197 طلبا للحصول على ترخيص قضائي بالمغرب، وقبل عام، كان هناك أزيد من 20 ألف طلبًا، وفي كلا العامين، تم قبول أكثر من ثلثي الطلبات، وفقا لبيانات الوكيل العام.
وكما هو الحال مع تعدد الزوجات، الذي اقصره قانون 2004 على حالات خاصة، هناك أيضًا استثناءات أخرى كما هو الحال في زواج القاصرات، “البنت التي يتم تزويجها في سن 16 عاما، يحكم عليها بالفقر والهشاشة، أما أبناؤها فيشقون ويعيشون ظروفا قاسية”، كما تحذر الناشطة النسوية الصقلي.
بنكيران، في بداية الشهر الجاري، وبمؤتمر لحزب “العدالة والتنمية” في الدار البيضاء، اعتبر أن إصلاح المدونة “مخالفة للشريعة الإسلامية”، والقصد منها هو “ترسيخ معالم الغرب بالمجتمع المغربي”، كما دعا إلى “إقامة مسيرة مليونية للحفاظ على القيم المجتمعية”.
وتطالب المنظمات النسوية بتعديل المدونة، خصوصا الوصاية والحضانة على الأطفال في حالة الانفصال الزوجي، حيث لا تزال المرأة المغربية تتعرض للتمييز مقارنة بالرجال، وكذلك الفصول التي تتعارض الاتفاقيات الدولية التي التزم بها المغرب، ومع دستور البلاد، الذيتم تغييره عام 2011، بعد المظاهرات التي اندلعت في المغرب إبان “الربيع العربي”.
ورغم الصدام والجدل المحتدمان بين المحافظين والحداثيين; المحافظون الإسلاميون يريدون إعاقة تقدم الإصلاحات، متشبثين بالقيم التقليدية للمجتمع وبالشريعة الإسلامية، والحداثيون يريدون ملائمة التغيير لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية; إلا أنهم كلهم ينتظرون الكلمة الفصل من رئيس الدولة، رئيس المجلس العلمي وأمير المؤمنين، الذي ينتمي إلى سلالة من نسل النبي محمد.