“أنا وأبنائي تحت وصاية هذا الرجل حتى بعد الطلاق”، هكذا باختصار، تصف خديجة وضعها بعد مرور أزيد من أربع سنوات على طلاقها من زوجها “المعنّف”، وتحملها المسؤولية الكاملة على ابنيها في غياب الأب.
تحكي خديجة (31 سنة)، في حديث لمنصة “هنَّ” عن تجربتها مع هذا الزوج التي قالت أنها اختارته شريكا لحياتها بعد قصة حب تصفها بـ”الخرافية”، لكنها انتهت بالطلاق، بعدما أثمرت عن طفلين، “بعدما تم الطلاق كان علي تغيير مدرسة إبني لمدرسة أخرى بالقرب من مقر سكنى والداي، لكن مدير المدرسة رفض وأخبرني أن حضور والد التلميذ ضروري لاستكمال إجراءات الانتقال”.
تضيف خديجة بحسرة بادية على وجهها، أنه وبسبب تعنت الأب “فقد أضاع إبني سنته الدراسية فلم يوافق الأب على مساعدتي لاستكمال الإجراءات إلا بعد أن تنازلت عن حق النفقة”.
تقف خديجة للاطمئنان على إبنتها ذات الخمس سنوات ثم تتابع باستنكار، “أهذا أب الآن؟ أي أب هذا الذي يترك لي مسؤولية هذين الطفلين… يؤلمني حالهما!”.
“وكما ابتزني للتنازل عن النفقة فقد ابتزني بعدها بإسقاط حضانة أبنائي بعد علمه بخبر تقدم رجل لخطبتي”، تقول متأسفةً بصوت أقل حدة بعد أن ابتعدت طفلتها، “واش ما منحقيش نعاود حياتي ولا نفسد أنا؟”، (أليس من حقي إعادة بناء حياتي.. أم أفسد؟).
توضح خديجة، “لا أخفيكِ سرا أنني كنت أرغب في الزواج بالرجل الذي تقدم لخطبتي، كانت حياتي لتكون أفضل من الآن، وأنا أقضي اليوم كاملا أعمل في المخبزة تاركة ابنتي الصغيرة لوالدتي التي لم تعد تقوى على العناية بالأطفال”.
غير أن رغبة خديجة في الزواج مرة أخرى يمنعها خوفها من طليقها، “أنا لا أثق فيه، أخاف أن يسلبني حضانة إبني فهو لن يتفهم رغبتي في الزواج مرة أخرى، حتى وإن كان هو نفسه قد تزوج بعد مدة قصيرة على طلاقنا”.
وتتابع خديجة قائلة، “لا يهمني كل هذا الآن.. كل ما أريد أن يكون لي الحق في تدبير شؤون أبنائي دون اللجوء لأي كان.. أنا أمهم وأنا وليتهم”.
خديجة ليست الحالة الوحيدة، فالحالات الكثيرة التي تتوافد على مراكز الاستماع التابعة لـ”فيدرالية رابطة حقوق النساء”، وبحسب رئيسة الفيدرالية، سميرة موحيا، التي تؤكد على أن “الفصل بين الحضانة والولاية القانونية يخلق مشاكل كبيرة للأم الحاضنة، ويعرقل تدبيرها للشؤون الإدارية والمالية والقانونية والشخصية للمحضون”.
وتوضح موحيا في تصريح لمنصة “هنَّ” أن العديد من النساء اللواتي توافدن لمراكز الفيدرالية هذه السنة، من مختلف مناطق المغرب “وجدن صعوبة في إتمام الإجراءات الإدارية المتعلقة بأبنائهن، بسبب غياب الأب الذي قد يكون هاربا أو مسافرا أو حتى رافضا”.
وتضيف المتحدثة، أنه وإلى جانب هؤلاء النساء، “أنا أيضا وجدت صعوبة في إتمام إجراءات حصول إبني على البطاقة الوطنية، على الرغم من أن الابن يقطن معي وأنا من جهزت الملف إلا أن حضور الوالد كان شرطا أساسيا لإتمام الإجراءات”.
وبحسب الفصل 236 من مدونة الأسرة، فإن “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب”، بمعنى أن المشرع المغربي أعطى الولاية للأب على أولاده القاصرين منذ الولادة إلى غاية بلوغهم سن الرشد القانوني.
قوانين ظالمة وتناقض صارخ
سفيان الرزاقي، محامي بهيئة تطوان، يرى “ضرورة مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، في حالة الطلاق وانفصال الزوجين، بناء على ما جاء به دين الإسلام الحنيف والقوانين الكونية والاتفاقيات الدولية”.
ويؤكد الرزاقي في تصريح لـ”هنَّ” على ضرورة “إسناد الولاية لمن بيده الحضانة والتي تكون الأم في غالب الأحيان”.
ويجد الرزاقي في الوضع الذي تعيشه الأم المطلقة الحاضنة التي لا تتمتع بالوصاية على أبنائها “حيفاً وتجريداً لها من إنسانيتها”.
ويعتبر أن هذا “التمييز يمسها في كرامتها ورمزيتها ولا يعترف بها صراحة كمواطنة لها كامل الحقوق ببلادنا”.
ويشير الرزاقي إلى وجود “تناقضٍ صارخ بين مقتضيات مدونة الأسرة، خاصة المادة 236 التي أعطت الولاية للأب وأعطتها للأم في المادة 238 بعد وفاة الأب الولي، وبين الفصل 19 من الدستور 2011 وصريح المادتين 51 و54 من مدونة الأسرة التي وضعت الأب والأم على قدم المساواة فيما يخص المسؤولية والواجبات المشتركة تجاه الأبناء”.
تعطيل لمصالح الطفل وعرقلة لحياة الأم
تختلف قصص الأمهات المطلقات الحاضنات مع الولاية الشرعية، لكنهن يُجمعن على أن حقوقهن وحقوق أبنائهن قد هدرت بسبب هذه القوانين، التي يرون أنها “لا تخدم سوى مصالح الرجل”.
قبل طلاقهما، كانت فدوى وزوجها قد فتحا حسابا بنكيا لابنهما، اتفقا على أن يحتفظا فيه بمبلغ مالي من أجل مصاريف دراسة طفلهما مستقبلا. غير أن حكاية هذين الزوجين لم تستمر، وقررا إنهاء علاقتهما واحتفاظ فدوى بحضانة الطفل.
تقول فدوى في حديثها لـ”هنَّ”، “بعد طلاقنا نسيت بصراحة أمر الحساب.. وربما لأنني كنت أثق فيه لم أفكر كثيرا. وطلاقنا كان بالتوافق وهو بصراحة كان أبا مثاليا لم أتوقع أن يضر بابنه، إلا أن الواقع كان عكس ذلك فقد استولى هذا الأب على أموال ابنه كاملة”.
“كنت في ضائقة مالية وقد احتجت استكمال مصاريف مدرسة ابني فقررت سحبها من حسابه البنكي، لكنني لم أتمكن من ذلك بدعوى أن الأب هو من يحق له ذلك. والواقع أن هذه الأموال جمعتها أنا وطليقي وأنا الحاضنة والمسؤولة عن شؤون إبني”، تشرح فدوى.
وتؤكد سميرة موحيا كلام كل من خديجة وفدوى، حيث اعتبرت أن الفصل بين الولاية القانونية والحضانة “يعطل تدبير مصالح الطفل ويعرقل الحياة اليومية للمرأة.. وباعتبار أنها ليست الولي الشرعي لأبنائها؛ لا يمكنها التصرف في حساباته البنكية أو الاستفادة من التعويضات التي قد يتحصل عليه في حالة حادثة سير مثلا وإن كانت هي من تكفلت بعلاجه”.
وترى موحيا أن الولاية القانونية على الأبناء يجب أن تكون “واجبا مشتركا بين الزوجين خلال قيام العلاقة الزوجية”. “ويجب اعتبارها في حالة الطلاق أو التطليق حقا للحاضن يرتبط بالحضانة سواء أكان الحاضن رجلا أو امرأة”، تقول موحيا.
وتشدد على أن “غرضنا ليس حرمان الرجل من الحضانة، بل المساواة بين النساء والرجال، لضمان حق النساء في التصرف في شؤون أبنائهن”.