
منظمات دولية وجمعيات محلية مستقلة في تونس، تنبه إلى تصاعد مستوى قمع الإعلام وحرية التعبير، وتعبّر عن تخوفها من المحاكمات القضائية لصحفيين وإعلاميين ومعلقين، بسبب الرأي الذي بدأ منسوب حريته يتناقص في البلاد.
وتأتي هذه المتابعات قبل الانتخابات الرئاسية الأولى، في فترة ما بعد الـ25 جويلية 2021، وفي ظل توجه ممنهج لتقويض القضاء، سجن عشرات المنافسين والمنتقدين. ومهاجمة منظمات المجتمع المدني؛ بشكل ناسفٍ لابرز و أهم مكتسبات ثورة ،2011 وهو حرية التعبير والصحافة.
للاطلاع على هذا الوضع، تقريبه وتوضيح خطورته، ولمعرفة مدى قدرة قطاع الصحافة ومنظمات المجتمع المدني على الدفاع عن مكسب الحرية، أجرت منصة “هن” هذه المقابلة، مع الصحفية التونسية أميرة محمد، عضو “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين”.
ريم: عرفت تونس تدحرجًا في مؤشرات حرية الصحافة والإعلام، بينما في المقابل يشدد رئيس الجمهورية في كل تصريح له؛ على أنه لم يسجل مساس بها، فما هو تقييمك لواقع الحريات بالبلاد؟
أميرة: بدأنا نسجل منذ سنتين، اتساع الهوة بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية في علاقة بواقع الحريات، ففي الوقت الذي يؤكد فيه رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة أن الحريات في تونس مضمونة اكثر من أي وقتٍ مضى، نرى سجن وملاحقة وهرسلة صحفيين وناشطين ومدونين وسياسيين ومواطنين على خلفية آرائهم ومواقفهم الناقدة لسياسة السلطة الحالية.
كل هذا يقع، بالإضافة إلى سن تشريعات خاصة كـ”المرسوم 54″ الذي في ظاهره هو قانون منظم للجرائم الإلكترونية، وفي باطنه خصوصًا عبر “الفصل 24” منه؛ هو سلاح استعملته السلطة عبر مختلف هياكلها لنسف حرية التعبير والرأي.
ريم: كيف يتم ذلك، وهل سجلتم خروقات تمت من خلال هذا الفصل؟
أميرة: عبر هذا القانون الذي دعت مختلف الجمعيات والمنظمات التونسية والدولية لإنهاء العمل به، تم سجن مواطن لمدة شهرين على خلفية تدوينة عبر فيها عن انهيار القدرة الشرائية، وتمت متابعة 9 صحفيين، بنفس المرسوم، وإلى حد الآن صدر في حق اثنين منهما حكم بالسجن لمدة سنة.
ريم: ما هو تأثير هذا الوضع على أداء وسائل الإعلام ومناخ الحريات؟
أميرة: من المؤسف أنه بعد 13 سنة من ثورة الحرية والكرامة، يعود الإعلام العمومي إلى بيت الطاعة؛ ليقبع في التحكم الكامل من قبل السلطة، فمؤسسة التلفزة الوطنية مثلا أوصدت الأبواب أمام كل رأي مخالف لتوجهات السلطة؛ سواء كان نقابيًا مدنيًا أو سياسيًا، وحرمتهم من حقهم في الحضور في فضاءاتها الحوارية.
أما الإعلام الخاص، أي المستقل، فإضافة إلى الأزمة الهيكلية التي يعانيها منذ سنوات، يواجه استهدافًا ممنهجًا من قبل السلطة، فاغلب الصحفيين الملاحقين هم من الإعلام الخاص، ومنذ فترة بدأت تمارس على مؤسساته ضغوط مادية، حيث تم استغلال المديونية التي تعاني منها أكثر من مؤسسة خاصة للضغط عليها، أو عبر عمليات سحب واسعة للإشهارات وانخراطات المؤسسات العمومية.
لم تكتفي السلطة بذلك، بل جمدت عمل “الهيئة التعديلية للإعلام السمعي البصري”، واستهدفت “هيئة النفاذ للمعلومة”، واصدرت مناشيرًا تعرقل وصول الصحفي الى أبسط معلومة، كما تمنع المسؤولين من الإدلاء بأي معلومة دون إذن مسبق؛ ما تسبب في انغلاق تام للمؤسسات الرسمية أمام وسائل الإعلام.
إن ما يزيد الوضع تعقيدا، هو خطابات التخوين، وإتهام الصحفيين بالعمالة؛ الصادرة عن الرئيس وأنصاره في عدة مناسبات، الأمر الذي خلق مناخًا تصعب فيه ممارسة العمل الصحفي بكل مهنية.
ريم: حريات مهددة وصحفيين ملاحقين.. هل يعني ذلك أن تونس فقدت مكسب الحرية الذي أتت به ثورة الحرية والكرامة؟
أميرة: إذا نظرنا إلى الجانب الرسمي، وتعاطي السلطة مع واقع الحريات، فيمكن القول إلى أن تونس قد تراجعت عن مكسب حرية التعبير، بل إنها اليوم في وضعية أخطر مما كانت عليه في عهد النظامين السابقين؛ مع زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة.. وبلغة واضحة؛ فمنذ إعلان الجمهورية التونسية لم تشهد البلاد سجن 5 صحفيين، والأكثر من ذلك أن الأمر تم بشكل ممنهج وفي فترة وجيزة.
ريم: هذا يعني أن الوضع صعب جدا للصحافة التونسية؟
أميرة: الحقيقة نعم، ولكن رغم هذه الوضعية مازال نفس الجسم الصحفي المقاوم موجودًا، ومازال يناضل يوميا للدفاع على ما تبقى من مساحة الحرية، إنها يقاوم مدعومًا بمساندة واسعة من الحركات الشبابية، ومنظمات المجتمع المدني وسياسيين ومواطنين؛ يرفضون التخلي عن حقوقهم أو مكتسباتهم أو المس من مساحة حرياتهم.
ريم: منظمات المجتمع المدني والمدافعين على الحريات مثلوا لسنوات صمام الأمان بالنسبة لواقع الحريات في تونس، هل مازالت هذه القوة قادرة على استرجاع هذا المكسب الذي يشهد تهديد وبدأ في التآكل؟
أميرة: هذه القوة بدورها شهدت رجات بعد 25 جويلية 2021، ولم تكن في منأى على استهداف السلطة، تم اضعافها وتفكيك جزء منها و شيطنتها وتهديدها ومتابعتها قضائيا.. ومع ذلك تبقى امكانية إعادة بناء هذه القوة وتوحيد صفوفها أمر قائم ومسار ضروري ليس فقط لدعم الحريات بل للدفاع عن دولة ديمقراطية تحترم فيها كل الحقوق والحريات.
عمليًا، اليوم تعرف الساحة الحقوقية والشوارع، رغم كل ما سجل من تضييقات، مصادرة للحريات وأحكام سجنية؛ الهدف منها هو تخويف كل نفس حرة،وإيقاف حركية المسيرات والوقفات الاحتجاجية المدافعة عن مكسب الحريات والرافضة لكل أشكال الاستبداد.
ريم: هل ترين أن شعلة هذه الحركية الرافضة للاستبداد قادرة على المواجهة؟
أميرة: أنا مؤمنة أن شعلتها لن تنطفئ، وأنها ستكون القادح لشرارة عودة مناخ الحريات إلى سالف عهدها، وأذكر أن جيلًا كاملًا من التونسيين والتونسيات والصحفيين والصحفيات تربى على حرية الصحافة والتعبير، ولن ينجح أي نظام مهما استقوى وتجبر في إسكاته أو تخويفه أو منعه من التعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه كاملة.