يتزامن شهر أكتوبر من كل سنة، مع الحملة العالمية للتحسيس والتوعية بضرورة الكشف المبكّر عن سرطان الثدي، وهي مناسبة للحديث عن التحديات التي تواجهها مريضات السرطان الذي مازال يسمّيه المغاربة بـ”المرض الخايب”.
وفي أروقة المستشفيات والمصحات الطبية، قصص نساء يصارعن سرطانا ينهش أجسادهن بتداعياته، وجيوبهن بتكاليفه الباهظة. غير أنهن مازلن يقاومن قهر المرض بصمودهن في وجهه، مستندين على دعم محيطهن الذي يعتبرنه ترياقًا وبلسمًا لجروحهن.
وإلى جانبهن، تقف النساء اللواتي انتصرن على هذا السرطان، لتشجيع ومساندة رفيقاتهن اللواتي لازلن يصارعن المرض، ومن بين هؤلاء النساء، أسماء الحيان، التي حولت تجربتها مع سرطان الثدي إلى مذكراتٍ نشرتها لتوقد شعلة الأمل في أرواح مريضات سرطان الثدي، أسمتها “حين يصبح السرطان لحظة ميلاد”.
“من لحظة “القنبلة” إلى لحظة “الميلاد”
“كان الخبر قنبلة فجرها الطبيب في وجهي”، بقلب راض تصف أسماء الحيان شعورها بعد تلقيها لخبر إصابتها بسرطان الثدي، بعد إجرائها للفحص للتأكد من سلامة ثديها بعد أن لاحظت عليه “كتلة كبيرة تجره للأسفل”.
تحكي أسماء (56 سنة) لمنصة “هنَّ” تفاصيل قصتها مع مرض السرطان قائلة: “قصتي مع سرطان الثدي بدأت سنة 2015، وقتها كان عمري 46 سنة، حين لاحظت أن ثديي الأيسر أكبر من ثديي الأيمن، وانتبهت لوجود كتلة كبيرة بحجم البيضة أسفل ثديي. ارتبكت قليلا لكنني أقنعت نفسي أن الأمر عادي ولا يدعو للقلق”.
ترددت أسماء قبل أن تخطو الخطوة الأولى، وتذهب لطبيبة نسائية فحصتها ونصحتها بالذهاب للمستشفى الإقليمي للتأكد ما إن كان الكتلة التي على ثديها ورماً سرطانياً أم لا!. ولكن أسماء اختارت الذهاب لعيادة طبية خاصة حيث أمرها الطبيب هناك بإجراء فحص بالأشعة، بعد أن قال لها أن الورم الذي على ثديها سرطاني بنسبة 90 بالمئة.
بعد تأكد إصابتها، تستحضر أسماء، وهي أم لطفلين، شعورها لحظة معرفتها بالخبر قائلة: “شعرت بالحزن والضيق وفكرت في أطفالي وخفت أن يكون المرض قد وصل لمراحل مبكرة وأفقدهما.. فكرت في كل هذه السيناريوهات”.
وتضيف: “لم أخبرهم أنا وزوجي بالأمر، وتركت معهم والدتي بمدينة أكادير لفترة وذهبت لبدأ علاجي بمدينة الدار البيضاء”.
وتتابع أسماء شارحة: “الحمد لله أن السرطان كان في مراحله الأولى، غير أن الورم كان كبيرا و يستلزم استئصال الثدي.
وتزيد بتأثر: “كانت فترة صعبة جدا بالنسبة لي وأنا أبدأ فترة العلاج بعيدا عن أبنائي. قضيت هذه الفترة بين نارين؛ نار الخوف والارتباك من المرض، ونار البعد عن أطفالي الذين لم أصارحهم بحقيقة مرضي”.
“بعد عملية استئصال الثدي، التئم الجرح، لكن جرحي النفسي لم يلتئم”، تضيف أسماء، وتواصل سرد قصتها: “بعد العملية، زرت طبيب الأورام الذي حدد لي خطة العلاج في ست حصص من العلاج الكيميائي وخمسة وعشرين حصة من العلاج بالأشعة.”
وتعتبر أسماء أن الحصة الأولى من العلاج الكيميائي كانت الأصعب على الإطلاق، حيث: “كانت حصة صعبة جداً، إذ أن شعري بدأ بالتساقط بعدها، وكنت أشعر بألم وإعياء وغثيان مستمرين. أذكر أن والدتي كانت تتألم لرؤيتي وأنا على ذلك الحال”.
مع توالي الحصص، بدأ شعر أسماء بالتساقط، و”كان يتساقط بغزارة، فأجده على وسادتي وعلى ظهري، فقررت أخيرا إزالته كليا على الرغم من صعوبة القرار، فقد كنت وقتها مازلت أخفي على أبنائي موضوع إصابتي, لكن بعد أن أزلت شعري وبدأ شعر حواجبي ورموشي بالتساقط وابيضَّ وجهي عرفوا بالأمر”.
متنقِّلة بين مدينة أكادير، حيث تقيم، ومدينة الدار البيضاء حيت تتلقى علاجها، أكملت أسماء فترة علاجها بأحد المصحات الخاصة بالدار البيضاء إلى غاية الحصص الأخيرة، بعد أن تأكد خلوها من المرض.
وتقول أسماء أن حفظها للقرآن الكريم الذي ختمته بعد شفائها، والكتابة التي كانت تهرب بها من ألمها هي من بين الأشياء التي ساعداها على الشفاء. إلى جانب دعم زوجها وعائلتها.
“أتحدى المرض والظروف الصعبة”
وضع أسماء يختلف عن وضع فتيحة التي تواجه تحدياً مزدوجاً، بين صراعها مع مرض سرطان الثدي، وصراعها مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تعقّد رحلة شفائها التي تقاوم المرض منذ أزيد من ست سنوات.
وتقول فتيحة، وهي امرأة خمسينية، إنها تقلبت أمر إصابتها منذ اليوم الأول: “هو ابتلاء من الله، علي أن أتقبله وأن أصبر من أجل النجاة من أجل نفسي ومن أجل أبنائي الذين لازالوا محتاجين لوجودي. فلحدود اللحظة، لا زال أبنائي يعتمدون علي في كل كبيرة وصغيرة في البيت”.
وتتابع فتيحة في حديثها لـ”هنَّ”: “لا زلت أتحمل تكاليف السفر إلى الرباط للعلاج وتكاليف المبيت هنا في كل مرة. إضافة إلى تكاليف الدواء المكلف الذي قد لا نجده و نضطر لتأجيل الحصة. ولا أخفيك أنني في مرات عديدة كنت أمزق الوصفة الطبية. فالظروف الاقتصادية صعبة، تكاليف النقل وتكاليف المبيت هنا تثقل كاهل أسرتي”.
وتخبرنا ابنة فتيحة التي عايشت معها مختلف مراحل العلاج أن ثمن الدواء يجعل من استمرار المرضى في تلقي علاجهم أمرا صعبا، مشيرة إلى أن الجمعيات وبعض المحسنين هم من يتكلفون بتوفير الأدوية التي تحتاجها والدتها والتي غالبا ما تتأخر في حصص العلاج بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية وإن توفرت فأحيانا لا يتوفر الدواء في الصيدليات.
وتتابع فتيحة مستنكرة: “كيف لأسرة تنتظر الدعم الذي يصل إلى 500 درهم أن توفر دواء يتجاوز ثمنه 1000 درهم. فخلال مرضي هذا صرفت أموالا طائلة، منذ أن اكتشفت الكتلة التي على ثديي وأجريت عملية لاستئصال الورم مرورا بالعلاج الكيميائي الذي أجريته بفضل بعض المحسنين في إحدى مصحات الأورام حيث كانت كل حصة لـ6000 درهم”.
“مريضة تقاوم نظرة المجتمع”
وتتفق كل من أسماء وفتيحة على أن مريضة سرطان الثدي، تعاني إلى جانب مرضها، من نظرة المجتمع وفضولية بعض المحيطين بها. وتقول أسماء إن الكثيرين لا يرغبون في معرفة وضعك الصحي، بقدر ما يرغبون في معرفة ما إن استأصلت ثديك أم لا. مضيفة أن استئصال الثدي والمرض عموما، قد شكل سببا في طلاق العديد من المريضات اللواتي تخلى عنهن أزواجهن وهن في أمسّ حاجة لدعمهم.
وتقول فتيحة إن زوج مريضة السرطان، وإن كان متفهماً، فإن عائلته والمحيط، يؤثرون عليه: “قد يتحمل الرجل مرضك لشهر، شهرين… لكنه يبقى رجلا في نهاية المطاف، كما أن أجسادنا لا تعود كسابق عهدها بعد المرض، فكذلك علاقتنا مع أزواجنا”.